الحرب الراهنة القادمة حرب الفكر والثقافة والإبداع
عندنا شجاعة هائلة أمام القبور لكن عندنا خوف هائل أمام القصور
أحذر من الزحف الصهيوني المدنس في الأدب والصحافة بالمنطقة العربية
الشللية والتربيطات والمجاملات تدمر سمعة الجوائز العربية
المثقفون ينتظرون حتى يتم الحدث ثم يصفقون مع المصفقين أو يرفضون مع الرافضين
كتب _محمد عمر
أثار الدكتور مجدي العفيفي الرئيس السابق لجريدة أخبار الأدب، والمفكر والناقد ، مجموعة من القضايا الساخنة التي تشكل أسئلة جادة وحادة تبحث عن إجابة، في زمن التساؤلات الحائرة في عالم الفكر والسياسة والثقافة والصحافة، انطلاقا من عنوان الملتقى الذي أقامه «مركز نهر النيل الثقافي، بمدينة الزقازيق بالشرقية» تحت عنوان «العظماء الجدد في الفكر والثقافة والإبداع»وقدمت الندوة وأدارت الحوار فيها الكاتبة الكبيرة نجلاء محرم.
لماذا قل ظهور الأسماء الجديدة منذ منتصف القرن الماضي؟ ما السر في هذه «النوستالجيا» التي نحياها؟ هل قلت خصوبة أرض الإبداع فتعثرت ولادة المبدعين؟ ومن المسؤول عن هذا الجدب؟ هل المبدعون؟ أم المتلقون؟ أم المناخ المحيط؟ أم أن الأرض مازالت خصبة والمبدعون مازالوا يتدفقون والعقول مازالت تتوهج لكن يحول بيننا وبينها ستار حائل؟
من هنا فجر الدكتور مجدي العفيفي – الرئيس السابق لجريدة »أخبار الأدب» – الكثير من المسكوت عنه ودعا إلى التفكير في اللامفكر فيه من هنا من هذه الستائر الحديدية والحواجز الصلبة؟ ومن يقيمها؟ ومن يتعمد استمراريتها، فقال صاحب التجربة الصحفية والثقافية التي بلغت الخمسين عاما إن: «العصمة في يد الثقافة». بمعنى ان عصمة أي مجتمع من التردي والسقوط في يد الثقافة فهي وحدها القادرة على العبور بالمجتمعات من شط لشط ومن حال لحال، وهي وحدها القادرة على الحفاظ على تماسكه وصموده، مشيرا إلى أن الحرب القادمة – بل والحرب الراهنة – هي حرب ثقافة وفكر، وأن المفكر والكاتب والمثقف عموما، هو الأطول عمرا، والأغزر فكرا، والأبقى أثرا من السياسي، فالمثقف يؤدي دورا لم يكلفه به أحد، وهنا تتعالى قيمته وتتسامي كلمته.
ومن ثم، قدم د، مجدي العفيفي ،مهادا مكثفا للحديث عن أوجاع اللحظة الراهنة التي تفتقر إلى كتاب كبار ، طاف في دروب الماضي ليرصد العوامل التي ساهمت – بل وأسست – ظهور أجيال من العظماء في مجالات الفكر والثقافة والإبداع، فتحدث عن مناخ الحرية الذي كان سائدا وإدراك هذه الأجيال للمعنى الحقيقي للاختلاف الفكري وأنه لم يكن بالنسبة لهم خلافا إنسانيا، بل إن كثيرا منهم كانوا أصدقاء رغم الاختلاف، وكانت تربطهم ببعضهم علاقة مودة وصداقة.
طابق العظماء
في هذا السياق تحدث د. العفيفي عن الطابق السادس بجريدة الأهرام، أو ما يطلق عليه طابق العظماء أو الخالدين، الذي كان يضم في آن واحد ثلة من مفكري مصر العظام مثل توفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وأنيس منصور وزكي نجيب محمود وثروت أباظة ويوسف جوهر وبنت الشاطيء وغيرهم من الأسماء التي نباهي بها ونعتز، وكانت تربطهم علاقات الاحترام والتقدير رغم تنوع توجهاتهم ورؤاهم وأفكارهم. وطالما ردد هؤلاء العظام أنه ليس المطلوب استنساخهم وإنما المطلوب الكشف عن الأصوات الجديدة والعقول المواكبة لزمانها والأقلام المعبرة عن طموحات جيلها وتطلعاته وواقعه، وجاء ذلك من خلال علاقات الدكتور العفيفي بهؤلآء العمالقة وأعلن أنه انتهي من كتابه ( بصمة العقل.. إلا الطابق السادس في الأهرام».
غياب حرية القلم
كما كثف الدكتور العفيفي، صاحب الـ 17 كتابا في المكتبة العربية، أوجاع اللحظة الفكرية الراهنة ، وحددها في : اول عنصر من عناصر عدم ظهور عمالقة جدد ، وهو غياب حرية الفكر والقلم وفي هذا السياق قال لدينا شجاعة هائلة امام القبور ولكن لدينا خوف هائل أمام القصور، كما أشار إلى ذلك باستفاضة أستاذنا محمد حسنين هيكل.
وأرجع اسباب إشكالية شح ظهور الأسماء الجديدة، إلى مسببات عديدة، على رأسها الإعلام بكل مكوناته: إعلام مرئي وإعلام مسموع وإعلام مكتوب، فهذا الإعلام ما عاد يؤدي دوره في تسليط الضوء على الأسماء التي تمثل صفحة جديدة ومشرقة في مسيرة الفكر والثقافة والإبداع، لذلك أسماه الكاتب (أضغاث إعلام) وقال إن الصجف الان لا تسعى إلى فتح الصفحات أمام الفكر الحر، ومتابعة المواهب وأصجاب الأقلام متابعة جادة ومستمرة. لأن فاقد الشيء لا يعطيه!
وأكد الدكتور العفيفي، الذي عرف عنه منذ بداية خطواته في شارع الصحافة خاصة الثقافية،على أنه لابد من تقليب التربة من شمال مصر لجنوبها ومن شرقها لغربها للكشف عن كنوز العقول الموجودة والمعطاءة والتي تشغل نفسها بهموم الوطن والناس لكنها تتوارى حيث لا يدري عنها أحد شيئا.
ورصد أن الزمن الذي ظهرت فيه أسماء عظماء الفكر والإبداع كان زمن الأهداف والقضايا الكبرى، لكننا الآن لا تجمعنا قضية كبرى ولا نتحلق حول هدف جامع. ففي مطلع القرن العشرين كانت فكرة التحرر من الاحتلال هي الفكرة الجامعة، وبعد ذلك جاءت المشروعات القومية والحرب مع الصهاينة وغيرها من الأمور التي كانت ترينا طريقنا واضحا غير ملتبس ولا مشوش، أما الآن فنحن نفتقر إلى الهدف والقضية فتشوشت الرؤية وغاب الهدف.
ووجه أصابع الاتهام إلى الناشرين وهم طرف من الأطراف الثلاثة، لأزمة الكتاب والمكفرين والادباء، حاليا ، إذ إن ثلاثية أزمة الكتاب تعكس المناخ الذي يعطل ضهور مفكرين ومبدعين جدد بالشكل المرجو، مشيرا إلى أن كثيرا من دور النشر الحكومية والخاصة تنشر الكتب على نفقة أصحابها، مع أنها دور نشر غير ربحية، الأمر الذي يحجب الكثر من الأقلام الجادة، ويلقي بظلال بغيضة على مستوى دور النشر ومساهمتها الأساسية في خدمة المجتمع، واذا كان الحال هكذا مع دور النشر الحكومية فما بالنا بدور النشر الخاصة.
وأشار الى خطورة الميديا من حيث الشهرة الخاطفة والسهولة المفرطة والتسرع المرعب، وقال إن ضررها أكثر من نفعها، سواء على حركة الفكر والثقافة أم على على الكاتب نفسه.
وحذر د.مجدي العفيفي، من ذلك الزحف الصهيوني المدنس في الانتماءات العربية ومن خلال أعوانهم وأدواتهم، وقال اننا نحن نلهو بالآداب والفنون وهم يوظفونها عسكرياً وسياسياً مشيرا إلى أنه جاء فى البروتوكول الثانى عشر من «بروتوكولات حكماء صهيون» ما يلى: الأدب والصحافة هما اعظم قوتين تعليميتين خطيرتين. وصناعتهما هما أشد عوامل التهذيب، ولهذا السبب ستشتري حكومتنا العدد الأكبر من الدوريات. وقال إن هذا الزحف الصهيوني المدنس يتجاوز الخيال في بعض المناطق العربية، وسوف يزداد ضراوة وشراسة في الفترة المنظورة القادمة. خاصة أن الصهاينة منذ عقود يتابعون كل ما تكتبه الأقلام العربية ويستشفون منها حالة مجتمعاتها وتطلعاتها وقوتها ومدى تماسكها ليستطيعوا قراءة عدوهم والاستعداد له في ضوء هذه القراءة.
وكشف أسرارا كثيرة مما يحدث في كواليس الجوائز العربية، وأفاض في كثير خفاياها المرعبة التي تبعدها عن النزاهة والحيدة، وتشوهها «الشللية والتربيطات» والمجاملات. وما دون ذلك
ومن خلال خبرته الطويلة والثمينة طوال الخمسين عاما، سرد الدكتور العفيفي، ما وصفه حرفيا بـ «نفاق كثير من المثقفين الذي صاروا مثل الطواويس، ينتظرون حتى يتم الحدث ثم يصفقون مع المصفقين أو يرفضون مع الرافضين، وقال : إذا كنا قد سئمنا إلى حد كبير من الذين يطلقون أحاديثهم فتصير خيوط دخان في الهواء، بل تصبح كالعهن المنفوش، لأن أصحابها يسيرون في طريق تعبنا من السير فيه، ويعرضون علينا صورا شاهدناها من قبل عشرات المرات، فإن من العلماء والمثقفين والمفكرين من تثقل موازينه ساعة أن تكون أطروحاته فكرا على واقع، وليس فكرا على فكر، وأن تحويل الصراعات الفكرية والإبداعية إلى صراعات شخصية والدخول في معارك وهمية، أحد الأسباب التي تحول دون ظهور الفكر الرفيع.
وفي ضوء ذلك أضاف: إننا نريد الشمعة ووظيفتها التي بقدر ما تنير مساحة مظلمة بقدر ما تكشف عن مساحة الظلام الواسعة حولها ومن ثم فإن شوقنا كبير إلى من يوقد شموعا تذوب نورا في الطريق.
مناقشات ساخنة
ثم فتحت الكاتبة نجلاء محرم باب المناقشات التي أعقبت حديث الدكتور مجدي العفيفي. كان لها بالغ الأثر في إثراء الحوار والطرح حيث شارك فيها عدد كبير من رواد مركز نهر النيل الثقافي، واتسعت دوائر الحوار في مختلف أبعاد القضية المحورة وهي: لماذا لم يظهر عظماء جدد في الفكر والثقافة والإبداع؟ واستمرت الندوة ثلاث ساعات من الجدل الايجابي والثراء الفكري.