






يري بعض الخبراء والمحللون أن منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) فقدت تأثيرها علي أسواق البترول وأصبحت من الماضي خاصة أنها ظلت لسنوات طويلة تعمل بطريقة تقليدية بدون أي تطوير لأدائها وأدواتها، في حين كانت الدول المستهلكة الرئيسية تعمل على تنظيم نفسها في وكالة الطاقة الدولية من أجل إدارة أفضل للطلب خاصة مع تغير أنماط الإستهلاك ورفع كفاءة إستخدام الطاقة.
والأهم من كل ذلك هو ظهور بدائل للنفط متوفرة وواعدة جداً بداية من الغاز الطبيعي ومروراً بالنفط الصخري ونهاية بالأشكال المتعددة لمصادر الطاقة المتجددة وعلي رأسها الطاقة الشمسية والرياح. وإضافة لكل ما سبق هناك أيضاً الضغوط المتنامية دولياً الخاصة بإتفاقية التغير المناخي من أجل التحول لمصادر طاقة صديقة للبيئة والتي تهدف لخفض الإنبعاثات الكربونية الناتجة عن إستهلاك أشكال الوقود الأحفوري.
لكن إجتماع أوبك وحلفاؤها، خاصة روسيا، الأخير بالسابع من ديسمبر الجاري أثبت العكس تماماً حيث توصلت منظمة أوبك وحلفاؤها إلى إتفاق يقضي بتقليص إنتاج النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا. وتفاعلت السوق سريعا مع تلك الانباء وقفز سعر البرميل نحو ٥٪ مع توقعات بمزيد من الارتفاع قليلا ومن ثم إستقرار الاسعار في عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠.
ويهدف هذا الخفض في إنتاج أوبك وحلفاؤها، الذي يوازي أكثر بقليل من 1 في المئة من الإنتاج العالمي، إلى إحتواء تراجع أسعار الخام حيث تؤمّن “أوبك” وحلفاؤها من خارج المنظمة نحو نصف الإنتاج العالمي من الخام. وقد نجح تعاون المنتجين في “أوبك” وخارجها الى حد كبير، خلال العامين الماضيين، في إحداث توازن في السوق وامتصاص فائض المخزونات.
لذا مما لا شك فيه أن أوبك مازالت تلعب دوراً كبيراً في السوق، فهي تنتج أكثر من ٤٠٪ من النفط الخام في العالم، وقد كانت هذه النسبة أكثر من النصف في بداية عقد السبعينيات لكن المعدل الحالي ما زال يمثل حصة كبيرة حيث مازالت تستطيع التحكم بمستويات الإنتاج، إما من خلال تقليصها إذا أرادت رفع الأسعار أو زيادتها اذا أرادت خفض الأسعار. الا أن “أوبك” ستكون حريصة على ألا تعمد الى خفض الإنتاج أكثر مما ينبغي، لكيلا ينمو إنتاج النفط الصخري الأميركي بشكل سريع. كما أن “أوبك” مستعدة لسد أي فجوة معروض اذا اقتضي الامر.
كما أن إشراك روسيا وغيرها في جهود أوبك للسيطرة علي أسواق النفط كحليف إستيراتيجي منذ نهاية عام ٢٠١٦ يعد تطور تكتيكي أثبت فاعليته ونجاحه. والحقيقة ساهمت الاضطرابات السياسية في بعض دول “أوبك” مثل فنزويلا وليبيا ونيجيريا في نجاح جهود أوبك حيث إنخفض الإنتاج بهذه الدول.
فنخلص مما سبق إلي أنه لا تزال أوبك تتمتع بنفوذ غير قليل ولكنها لا تتحكم بكامل سوق البترول العالمية الا بتعاونها مع حلفاء رئيسين مثل روسيا. وعلى المدى البعيد، إذا كانت الجهود العالمية للتصدي للتغير المناخي ستدفعنا للتحول لمصادر طاقة بديلة للنفط فإن دور أوبك سيصبح أقل أهمية.
الدكتور محمد عبد الرؤوف
خبير إقتصاديات الطاقة والبيئة