






الطاقة تحسم المعارك
فقد أنهت – أو بالأحرى نقص الطاقة – تقدم الفيلق الألماني بقيادة *روميل* قبيل وصوله إلى الإسكندرية لأن دباباته لم يصلها الوقود. كذلك أنهت تقدم نابليون لاحتلال روسيا عندما أحرق الروس عاصمتهم موسكو فلم يجد الطاقة التي يحتاجها لحماية جنوده من البرد وكذلك لم يجد الطعام (طاقة الإنسان والحيوان) ليستمر جيشه من الرجال والخيل في القتال.
لا يخفى على أحد أن اعتماد أوروبا الغربية على الطاقة سواء للتدفئة أو للصناعة أو لإنتاج الكهرباء في تزايد مستمر.
ونتج عن ذلك استنفاذ مواردها من الفحم والنفط بعد الافراط في الاستهلاك أثناء الحرب العالمية الثانية، فسارعت الولايات المتحدة بإمدادها بالنفط لتقوم من عثرتها، وبدأت الامداد بأسعار ميسورة، فتحولت العمليات الصناعية من استخدام الفحم إلى النفط لسهولة تداوله.
ونتج عن ذلك إهمال تام للطاقات الطبيعية المتاحة آنذاك وهي الرياح ومياه الأنهار، مع أن الهولنديين جففوا أرضهم التي استقطعوها من البحر قبل مائتي عام بطواحين الهواء وكانت تستعمل قبل ذلك لإدارة الرحى لطحن الحبوب، لذلك بقي تسميتها طاحونة حتى بعد تغير ناتج طاقتها إلى ساقية لرفع المياه.
الإهمال الذي طال الطاقات الطبيعية ألقى ظله الكئيب على حاضر أوروبا، لأن نتيجته الحتمية كانت استيراد الطاقة – وذلك طبعا بأرخص الأسعار – مما ضاعف اعتمادهم على موردين قلائل كلهم خارج قارتهم (غاز ونفط وفحم روسيا مصدره الجزء الأسيوي من روسيا) والمورّد الوحيد في القارة الأوروبية هو غاز ونفط بحر الشمال الذي صرح بأن آباره لا تستطيع أن تنتج أكثر لأن بعض المباني في شمال هولندا بدأت تتصدع.
تأمين الطاقة في كل زمن مسألة أمن قومي ولا يصح وضعها في أيدي الأجانب كما يقول وزير الكهرباء من وقت لآخر. لأن الأجانب وسوسوا إليه أن الرخيص – حتى لو كان أداءه نصف اليوم فقط – أفضل من تقنية تضمن استمرار الإمداد الكهربي ليل-نهار وأوهموه أن تصنيع الخلايا الضوئية في مصر متاح بسهولة. فكانت النتيجة أن صفّقت وزارته لمشروع بنبان و وصفته بأنه يشبه السد العالي وأخفت عيوبه عن الشعب الذي يدفع ثمن الكهرباء المتزايد بسبب زيادة أسعار الغاز لأن بنبان لا يغني عن الكهرباء المنتجة من مصدر مضمون إمداده وهذا حاليا محصور في الكهرباء من مصادر حفرية.
إن البديل المستدام هو مخطط “خميسة” الذي قال الوزير عندما شرحته له في 2015 “دي نعملها” ثم فضّل الانصات لمستشاريه الأجانب.
خميسة ليست إلا محطة كهرباء تقليدية تعمل بالحرارة. والاختلاف الوحيد هو أن الحرارة تنتج من تركيز الإشعاع الشمسي بدلا عن حرق الوقود. وقد نجحت اسبانيا منذ سنة 2011 في تخزين الحرارة بكميات تسمح بتشغيل المحطة طوال الليل ليتواصل الإمداد الكهربي مع شمس اليوم التالي. وذلك مع إتاحة تسخين الخزين لفترة وجيزة مثل أيام الخماسين لضمان عدم انقطاع الامداد الكهربائي.
إسم خميسة ينبع من مخطط ربط خمس محطات متماثلة في شبكة فرعية لإمداد جزء من مستهلكي الكهرباء دون الحاجة إلى الشبكة الرئيسية. وهذا المنهج بدأت شبكات الولايات المتحدة تأخذ به لأنه يرفع درجات الأمان حيث أن خلل شبكة فرعية لا يتسبب في خلل عام للشبكة الرئيسية.
إن مخطط خميسة أكثر من ذلك فهو يحدد الإطار المالي والزمني للتنفيذ دون الاخلال بالمتطلبات المتزايدة للإمداد الكهربائي مع فتح المجال لتصدير الكهرباء وهو آت لا محالة بعد تنبه أوروبا إلى أن مواردها – وأغلبها متقلب – لا تكفي لتأمين كهربائها.
ولا يخفى أن تصنيع مكونات المحطات الشمسية الحرارية متاح في مصر أكثر من أي نوع من الطاقات المتجددة الأخرى.
والخلاصة هي أن “خميسة” لا تستهلك إلا أقل من 3% من الوقود الذي تستهلكه محطات الكهرباء التقليدية وهذا يوفر لمشروعي “حياة كريمة” و “الدلتا الجديدة” الموارد المالية اللازمة لتحقيقهما في الجدول الزمني المخطط لهما.