






مسيرة عطاء من القائد قابلها مسيرة حب من الشعب .. فلم يكف القائد يوما عن العطاء وكذلك الشعب الوفي لم ينقطع يوما عن حبه وعشقه لقائده الذي اعتبره والده وأخاه وابنه منذ اليوم الأول لتوليه السلطة .. هكذا يمكن وصف حال العمانيين مع قائدهم الراحل السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله مؤسس دولة عمان الحديثة ومفجر نهضتها المباركة .. فالسنوات الخمسون الماضية تشهد على الكثير من المواقف الإنسانية التي خلدها التاريخ للسلطان قابوس ونقشت في نفوس العمانيين .. فقد كان يجوب محافظات وولايات البلاد شرقا وغربا شمالا وجنوبا ليتواصل مع المواطنين شخصيا يستمع لشكاواهم ويحقق لهم مطالبهم ويحول أحلامهم لواقع معاش وهذا ولّد لدى العمانيين الشعور بأنه واحد منهم وأنهم شركاء في تنمية هذا الوطن.
إن وجع الفقد الذي يشعر به العمانيون والابتهالات والدعاء المستمر أن يتغمد الله الفقيد بواسع رحمته ناتج عن عرفانهم بفضله عليهم بعد الله سبحانه وتعالى .. فالسلطان قابوس رحمه الله أحسن إليهم جميعا ولم يقصر في واجبه تجاه أي منهم وأنشأ لهم دولة مؤسسات عصرية حديثة قوية رغم قلة الإمكانيات في زمن قياسي .. وهذا الألم لا يشعر به العمانيون وحدهم بل قلب كل مواطن عربي استشرف الحكمة في سياساته وحرصه على مصلحة شعبه والعمل من أجله بهدوء وبدون صخب والتاريخ يشهد على مواقفه الداعمة للقضايا العربية ووقوفه بجانبهم ليس من أجل تحقيق مصلحة شخصية بل كان ينظر في المقام الأول لمصلحة الشعب وكيفية تحقيق الاستقرار والأمان والتنمية له وهذا الفكر كان ينحاز له دائما ويستخدم في سبيله كافة الوسائل التي تقرب وجهات النظر وتزيل الخلافات بين الإخوة حتى تهدأ الصراعات وتختفي النزاعات حتى أنه لقب بسلطان السلام لتأكيده الدائم على مبادئ التعايش السلمي والتسامح ومد يد التعاون مع الجميع واحترام الآخر وعدم التدخل في شئون الغير ورفض تدخل الغير في شئون بلاده.
لقد قضيت فترة زمنية من عمري في سلطنة عمان استشرفت خلالها مدى ما يكنه الشعب من حب وولاء لقائده الراحل ولكن بحكم علاقتي بالإخوة العمانيين فإنني أرى أنهم سيعبرون هذه المرحلة بكل مرارتها لأن السلطان قابوس رحمه الله غرس في نفوسهم مبادئه وفكره ففي داخل كل عماني “قابوس” مستمر لن يموت مادامت السماوات والأرض وسيظلون سائرين على دربه محافظين على إنجازاته واقفين خلف قيادتهم حتى تتواصل مسيرة النهضة وتحافظ السلطنة على مكانتها المرموقة التي وصلت إليها.
ومن يستقرئ الخطاب الأول للسلطان هيثم بن طارق سلطان عمان الجديد خريج مدرسة السلطان قابوس يجد الولاء والوفاء والإخلاص في كلماته وأنه نعم الخلف لخير سلف فقد بعث من خلال كلمات بسيطة برسائل ثقة وطمأنينة للشعب العماني والعالم بأن بلاده لن تتخلى عن السياسة الحكيمة التي أرسى دعائمها السلطان قابوس فقد تعهد بالسير على خطاه والحفاظ على ما أنجزه وهذا يعني أنه يعي حجم المسئولية الملقاة على عاتقه وأن السلطة التي تولاها تكليف وليست تشريفا .. فالحفاظ على الإنجازات لا يقل صعوبة عن تحقيقها.
لاشك أن السلاسة والهدوء الذي تم فيه تشييع الجنازة وانتقال السلطة وتقبل الشعب للقائد الجديد بناء على وصية السلطان الراحل يؤكد على القيم العمانية الأصيلة التي يتحلى بها كافة أفراد السلطنة ومدى الوعي الذي يتحلون به فهم قلب واحد ونبض واحد وسيظلون أقوياء أوفياء .. فبلادهم أمانة في أعناقهم وحرصهم على صون هذه الأمانة سر تلاحمهم واتحادهم خلف القيادة الجديدة وثقتهم في أنه سيكمل المسيرة بكفاءة واقتدار.. وهذا درس يلقنه العمانيون لكافة شعوب الأرض في ظل التحديات التي تحيط بالمنطقة والتي تحتاج من الجميع لحكمة وتغليب للمصلحة العليا والذي يسير عليه العمانيون دائما.
إن السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان يحظى بمكانة مرموقة في الأوساط الدولية ومعروف عنه علاقاته الطيبة الواسعة مع زعماء العالم وأنه سياسي محنك فسياسته خلال السنوات الماضية سواء كوزير للتراث والثقافة أو المناصب التي تقلدها في وزارة الخارجية أو شغله منصب رئيس اللجنة الرئيسية لرؤية عمان المستقبلية “عمان 2040” تدل على مدى وعي جلالته بمقدار التحديات السياسية والاقتصادية التي تحيط ببلاده وبما يجب عليه فعله حتى يحقق مستقبلا مشرقا لشعبه وينفذ رؤية بلاده المستقبلية ونحن واثقون بأنه سيعبر بالسلطنة لبر الأمان ويحافظ على استقرار شعبه وأنه سيتمكن بإذن الله من التغلب على كافة التحديات.
رحم الله السلطان قابوس بن سعيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .. ووفق السلطان هيثم بن طارق لما فيه خير بلاده وسائر بلاد المسلمين.