






اسماء سيد مصطفى
جائحة «كورونا» تعطي العالم دروساً لن يمكن تجاهلها. وقد يكون الدرس الأبرز أن كل أسلحة العالم وأمواله لم تتمكن من وقف انتشار وباء نتج عن التلاعب بالطبيعة. صحيح أن الفيروس الجديد انتقل – كغيره من الفيروسات القاتلة – عن طريق الحيوان، غير أن المسؤولية تقع على الإنسان، لتلاعبه غير المنضبط بعالم الحيوان. وهذا يعطي أهمية مضاعفة للحفاظ على التوازن الطبيعي وحماية البيئة. والأكيد أن صرف المليارات على البحث العلمي وحماية البيئة والرعاية الصحية.
فضلاً عن تغيير موقع الاجتماع وأسلوبه، كان لفيروس «كورونا» أثر على محتوى البحث أيضاً. فقد وجد أن أي برنامج بيئي في السنوات المقبلة يجب أن يأخذ في الاعتبار العلاقة بين البيئة والصحة، من تلوث الماء والهواء، إلى التلاعب الجيني بالإنتاج النباتي والحيواني، إلى القضاء على الموائل الطبيعية للحياة البرية.
وإذا بقيت تقارير الأمم المتحدة تبحث في المواضيع العامة نفسها، من دون ربطها مباشرة بالهموم والتحديات التي تواجه البشر، فإن منظماتها ستتحول إلى ما يشبه مركبات فضائية تدور خارج جاذبية الأرض، ويتحول موظفوها إلى كائنات منفصلة عن الواقع، كأنما هي كائنات غريبة من كوكب آخر.
لم يقتصر أثر «كورونا» البيئي على اجتماع دولي صغير واحد من بين آلاف الاجتماعات الأخرى فاللجنة المولجة بالإشراف على تقرير «توقعات البيئة العالمية» السابع، تعقد اجتماعاً شهرياً عبر الإنترنت، وتلتقي وجهاً لوجه أربع مرات في السنة. حين بدأ الإعداد لاجتماع الكاريبي قبل شهور، لم تكن جائحة «كورونا» ضربت بعد. وقد تبيَّن أن الوصول إلى ترينيداد وتوباغو، إلا للمسافرين من منطقة الكاريبي والقارة الأميركية، يستغرق ستة أيام للذهاب والعودة، وذلك لحضور اجتماع مدته يومان فقط بل تسبب في تأجيل قمة المناخ السادسة والعشرين التي كانت بريطانيا تُعد لاستضافتها في نوفمبر المقبل، إلى سنة 2021؛ لكن هذا لا يعني أنه – في عصر «كورونا» – أصبح تغير المناخ قضية مؤجلة؛ بل على العكس: فإن هذه الجائحة التي تضرب العالم بلا هوادة ستفرض نفسها بمثابة صرخة للإيقاظ من السبات الدولي العميق تجاه التحديات البيئية، وإنذار لمحدودية قدرة الإنسان على معاندة الطبيعة والتلاعب بتوازنها.
* وعن الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية ان السؤال حول تداعيات تأجيل قمة المناخ قد يأتي معكوساً: أليس أكثر رحمة بالبيئة ورأفة بالمناخ أن يستمر النقاش الجدي، المقرون بأفعال، عن طريق اجتماعات مصغرة ومؤتمرات عبر الإنترنت، بدلاً من قمم ضخمة يحضرها عشرات الآلاف من جميع بقاع الأرض، مع ما يتسبب فيه سفرهم من انبعاثات كربونية؟ وإذا كان لا بد من اجتماع دولي يحضره الجميع شخصياً، فلماذا لا يكون كل سنتين أو ثلاث، وبعدد أقل من المشاركين، بدل أن يُعقد سنوياً بحضور عشرات الآلاف؟ وهل يستحق التمسك بالتوزيع الجغرافي العادل للاجتماعات أن ينتقل المشاركون إلى طرف العالم، من دون اعتبار لحجم الانبعاثات وتكاليف السفر، ناهيك عن الوقت المهدور في المطارات والطائرات؟.
فالفيروس القاتل ضرب القواعد العسكرية وحاملات الطائرات نفسها، ووقف كل السلاح عاجزاً عن مواجهته. وقد تفتح الجائحة الباب واسعاً في المستقبل على اعتماد الاجتماعات عبر الإنترنت، كوسيلة تخفف من أعباء السفر وتقلل من الانبعاثات. وعلى أهمية استمرار التواصل الإنساني المباشر، فقد تفرض دروس جائحة «كورونا» نمطاً جديداً في الاجتماعات الدولية، يقربها أكثر من العمل المنتج ويحد من الهدر.
تُرى هل تدفع الكارثة العالم إلى إعادة تحديد أولوياته، بوضع البيئة والصحة وحياة البشر فوق التفوق العسكري والاقتصادي؟ أم يعود العالم إلى عاداته القديمة مع زوال الجائحة، ويغوص من جديد في سبات عميق في انتظار فيروس آخر بعد سنوات؟ نزوعي الشخصي هو نحو الافتراض الأول، مع حلمي بأن تطلق الصدمة نهضة بيئية وصحية تغير وجه العالم. لكن هذا يستدعي تحولاً من أنماط الاقتصاد إلى الاقتصاد الأخضر، وتبديلاً جذرياً في الأنماط الاستهلاكية، بما يعيد التوازن بين المنظومة الطبيعية والبشر