يبدو أن تأمين إمدادات الطاقة في مصر باتت متحققة ولسنوات عديدة قادمة مع الخطط الطموحة لمصر لتنويع مزيج الطاقة حيث شهدت الأسابيع القليلة الماضية إفتتاح “مجمع بنبان للطاقة الشمسية بأسوان”، وتوقيع “إتفاق محطة الضبعة للطاقة النووية” مع روسيا وأخيراً وليس أخراً بدأ الإنتاج من “حقل ظهر” العملاق للغاز الطبيعي، أكبر حقول الغاز في البحر المتوسط.
ولا غرو أن لتشغيل “حقل ظهر” العديد من الفوائد التي ستعود علي مصر في مجال الطاقة وإقتصادياً. وأهم هذه الفوائد أنه سيحقق الإكتفاء الذاتي من الغاز مع إرتفاع إنتاجه إلى مليار قدم مكعب يوميًا مع نهاية يونيو المقبل. وأيضًا تقليل الطلب على العملات الأجنبية بعد وقف إستيراد الغاز من الخارج وبالتالي تحسن الميزان التجاري وتخفيف العبء علي الموازنة العامة للدولة.
ومع الوصول إلى الطاقة الإنتاجية القصوى لحقل ظهر للغاز في عام 2019، سيكون هناك فائض للتصدير سيساهم في تشغيل محطات إسالة الغاز المتوقفة، إلى جانب توفير العملات الصعبة لخزانة الدولة. أو إستغلال جزء من فائض الغاز كمدخل في الصناعات المحلية وتعظيم القيمة المضافة منه.
إضافة إلي ذلك أن هذا الحقل يفتح أفاقاً جديدة للإستكشاف والتنقيب عن البترول والغاز في المناطق الإقتصادية المصرية بالبحر المتوسط. فضلاً عن أن تأمين إمدادات الطاقة في مصر سيجذب المزيد من الإستثمارات في مختلف القطاعات لأن المستثمرين قد ضمنوا عدم تعرض إستثماراتهم للتوقف بسبب نقص موارد الطاقة.
أهمية جيوسياسية
لكن مدقق النظر يستطيع إدراك أن فوائد إنتاج الغاز من حقل ظهر تتعدي ما سبق ذكره بكثير، فلحقل ظهر أهمية جيوسياسية كبيرة حيث أن الحقل يغير من خريطة اللاعبين في الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط. ويُمكُن مصر من أن تلعب دوراً إقليمياً مهم في تجارة الغاز فى شرق المتوسط عن طريق تصدير الغاز للسوق الأوروبية من حقل ظهر وغيره من الحقول المصرية وحقول الدول المجاورة في حال نجاح الإتفاق مع هذه الدول علي تجميع وتسييل الغاز بمحطات الإسالة المصرية.
ويؤدي ذلك إلي دعم التنمية المستدامة والاستقرار والسلام في هذه المنطقة خاصة أن المنافسة الجيوسياسية الدولية المحمومة على الموارد الطبيعية وخاصة النفط والغاز كانت سبباً في تحويل هذه الموارد الإستراتيجية إلى محركات للصراع في العديد من المناطق حول العالم.
ويدعم ذلك موقع مصر الإستراتيجي عند ملتقى القارات الثلاث أفريقيا وآسيا وأوروبا والذي يتوسط كبار منتجي ومستهلكي الطاقةِ في العالم. إن منطقة شرق البحر المتوسط موقعاً ذا أهمية جيوسياسية بالغة لقربها من خطوط التجارة الدولية عبر قناة السويس والبحر المتوسط، والبحر الأحمر والخليج العربي.
ومن الواضح مسعي السياسة المصرية للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي بحيث تتحول مصر لمركز إقليمي للطاقة خلال السنوات القليلة المقبلة، وذلك في ظل إمتلاكها لكافة المقومات والبنية الأساسية والمؤسساتية، ويدعمها في ذلك الإستقرار السياسي والأمني. بحيث تصبح مصر لاعباً فعالاً في أوسع مساحة من الكرة الأرضية وما يتبعه ذلك من التأثير في العلاقات الدولية والدفاع عن المصالح الحيوية للدولة.
لذلك إن إستغلال غاز حقل ظهر وغيره من الحقول والموارد الطبيعية المصرية ليس موضوع طاقة أو إقتصادي بحت كما أشارت كافة التحليلات في الأيام القليلة الماضية، بل هو أكثر شمولية وعمقاً لمسألة الإستغلال الأمثل للموارد إستيراتيجياً وكذا من منظور الإستدامة، حيث يجري ربط العوامل الاقتصادية بعوامل وعمليات وأهداف أكثر تعقيداً وأبعد مدى، ترتبط بموازين القوى القائمة وبواقع وطبيعة ومستقبل العلاقات بين الدول خصوصاً المحيطة بنا. وكذا بالمصالح الجيوسياسية وإستراتيجيات العلاقات فيما بينها، إضافة إلي قضايا عدالة توزيع الموارد وحقوق الأجيال المقبلة… الخ.
بصفة عامة، يمكن القول بأن الأفاق الإقتصادية والتحولات الجيوسياسية تبدو أكثر إشراقاً لجمهورية مصر العربية مع بدء إنتاج الغاز من أعماق البحر المتوسط من حقل ظهر فى منطقة إمتياز شروق البحرية.