على مدار العشر سنوات السابقة كانت أسواق الأسهم فى جميع أنحاء العالم ترتفع بشكل مطرد، وقد حقق مؤشر الداو جونز نموًا كبيرًا خلال السنوات العشر الماضية وبالأخص العام الماضى فقد ارتفع بنحو 25%، الأمر الذى دفع الرئيس “دونالد ترامب” بأن يدعى بأنه كان سببًا فى نجاح أسواق الأسهم.
لقد عانى سعر تداول مؤشر الداو جونز من أسوأ انخفاض له فى ست سنوات حيث خسر نحو 4.6% فى يوم واحد، الأمر الذى أثر سلبًا على باقى أسواق الأسهم العالمية وأدت إلى عمليات بيع مفتوح فى جميع أنحاء العالم ولكنه عاود التعافى ولكن الخسارة التى انخفضت بمقدار 1.175 نقطة فى يوم واحد هى الأكبر فى تاريخه، كان درسًا للجميع لا يمكن نسيانه لقد تغير كل شئ فأيام المكاسب قد انتهت بالفعل وذهبت البيئة المالية الحميدة فى السنوات الأخيرة، كما أن مؤشر فيكس الذى يقيس حجم تقلبات الأسواق سجل أكبر زيادة فى تاريخه يوم الاثنين، ولم يكتفى الأمر على تراجع الأسهم فقط بل تراجعت السندات الحكومية والذهب والعملات الرقمية فى وقت واحد مما يدل على التصفية العشوائية الشاملة.
تراجع مؤشرات الأسهم فى أوروبا وآسيا
وتراجعت الأسهم فى أوروبا وآسيا يوم الثلاثاء، حيث خسرمؤشر نيكاى اليابانى نحو 4.7% وهو أكبر تراجع منذ حزيران/يونيو 2016، وهبط مؤشر هانج سينج فى هونج كونج لأدنى مستوياته منذ بداية عام 2008، وتراجع مؤشر فايننشال تايمز 100 فى بريطانيا بنحو 2%، وبهذا يبلغ اجمالى خسائر الأسواق العالمية نحو 4 تريليون دولار بعد وصولها لمستويات قياسية فى كانون الثانى/يناير.
ولكن فى الحقيقية ما مرت به الأسواق لم يكن انهيار، لأن الأسواق فى جميع أنحاء العالم لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه قبل شهرين وكان الانخفاض ليس شيئًا مقارنة بيوم الاثنين الأسود عام 1987 عندما خسر مؤشر الداو ربع قيمته فى غضون أيام قليلة، فالسوق ليس مقياسًا رئيسيًا للاقتصاد لم يكن هناك انهيار مصرفى ولا ذعر مدفوع بعمليات إرهابية ولا كارثة جيوسياسية قد يكون هذا التغيير حركة تصحيحية طبيعية وقد يكون الاقتصاد العالمى يتحرك فى نهاية المطاف من أزمة 2008 هربًا من حالة الركود الذى استغرق وقت طويل.
الأهم من ذلك أن عملية البيع المفتوح فى أسواق الأسهم كانت ناجمة عن أخبار اقتصادية جيدة حيث أعلن الاقتصاد الأمريكى نمو الأجور بنحو 2.9% خلال شهر كانون الثانى/يناير وهو أعلى مستوياته فى ست سنوات كما أن معدلات البطالة الأمريكية أقل من معدلات البطالة فى بريطانيا، الأمر الذى رفع من التوقعات بقيام البنك الاحتياطى برفع أسعار الفائدة من ثلاث إلى أربع مرات خلال العالم الحالى.
التأثير على قرار رفع أسعار الفائدة الأمريكية
الاقتصاد الأمريكى يهم هنا لأن جميع الأسواق فى أنحاء العالم تأخذ زمام المبادرة من الولايات المتحدة، وأسواق الأسهم العالمية اعتمدت منذ فترة طويلة على أن معدلات التضخم فى الولايات المتحدة ستبقى منخفضة وهذا بدوره سيجبر البنك الاحتياطى على ابقاء أسعار الفائدة منخفضة، يتمثل التحدى الحالى فى اعادة البنك المركزى إلى الوضع الطبيعى ورفع أسعار الفائدة دون قلق من الأسواق، وقد استطاعت رئيسية البنك “جانيت يلين” المنتهية ولايتها من إدارة هذا الوضع بشكل مخادع حيث رفعت أسعار الفائدة خمس مرات من 0.25% إلى 1.5% دون أن تتسبب فى حدوث انهيارات، وسلمت يلين الأسواق التى تتوقع رفع أسعار الفائدة مرة أخرى خلال الشهر القادم إلى جيروم باول المعين من قبل الرئيس الأمريكى.
ولكن الآن هناك احتمالات مؤكدة للزيادة المستمرة فى معدلات التضخم الأمر الذى سيؤدى إلى رفع أسعار الفائدة لمواجهته وبالتالى سيؤدى إلى زيادة عوائد السندات، مما سيجعل الأسهم أقل جاذبية مع رفع تكاليف الاقتراض العامة بعد عقد طويل من المال الرخيص وهذا سيكون بمثابة صدمة قوية للأسواق، غير أن الواقع بأن السياسة النقدية التحفيزية كانت عديمة الجدوى منذ زمن طويل وكان ينبغى أن يتم إزالتها منذ سنوات