التوجه الاستراتيجي المعلن مؤخرا حول تمكين القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي سواء من حيث المبادرات الاستثمارية والتحول الشامل من القطاع العام للقطاع الخاص يتوافق مع مسار الاتجاهات العالمية سواء من حيث الفكر والرؤي او الممارسات العملية.
وقد توارت حاليا الي ما يقرب من الزوال النظريات المركزية/الشيوعية / الاشتراكية/ اليسار المتطرف… وتخلت الدول المعنية بها بلا استثناء عن تبنيها تلك المفاهيم والممارسات بشكل شبه كامل. وهذا التطور لا يعني بالضرورة سلبية دور الدولة في النشاط الاقتصادي ولكنه اصبح ينحصر في حماية المنافسة والتصدي للممارسات الاحتكارية ووضع الحوافز الاستثمارية والسياسات الاقتصادية الداعمة للنشاط الاقتصادي.
ويلاحظ انه لا يوجد نموذج استرشادي موحد للعالم للتحول الي القطاع الخاص بالنظر الي تباين الهياكل الاقتصادية والبنية التحتية والدول المرشحة لهذا التحول.
كما انه من المتوقع مواجهة درجات متفاوتة من المقاومة تجاه التغير من أصحاب المصالح في الهياكل الاقتصادية الحالية.
وبناء استراتيجية للتحول الي القطاع الخاص للنشاط الاقتصادي في مصر يواجه العديد من المحاذير التي ينبغي العمل علي مواجهتها بشكل حاسم واستراتيجي.
إعادة التقييم الشامل لوحدات القطاع العام
تعاني الوحدات الاقتصادية العاملة في مصر من التقييم المتدني في قوائمها المالية من جراء المعالجات الحسابية في ظل المبالغة في الحيطة والحظر.
ولا تقتصر هذه المعالجة الخاطئة والتي تؤدي الي عدم تعديل القوائم المالية عن أوضاع وحدات القطاع العام فقط بل ومتد أيضا الي وحدات القطاع الخاص كما ان هذا ينطبق علي وحدات العام والخاص كما ان الاسم التجاري للوحدات لا تدرج له أي قيم مالية فضلا عن قواعد تقييم الأصول الثابتة للتكلفة التاريخية بعد الاهلاك والمخزون للتكلفة او السوق ايهما اقل بل ان العديد من الأصول الثابتة يتم تخفيضها الي قيم رمزية تقترب من الصفر.
كما ان هناك مبالغات فادحة في تكوين المخصصات حتي علي القروض المنتظمة وهو ما يتم بدعم من تعليمات البنك المركزي المصري والجهات الرقابية الأخرى ( يلزم البنك المركزي المصري البنوك لتكوين مخصص بنسب عالية حتي للقروض المنتظمة! فضلا عن المعدلات المتصاعدة لمخصصات القروض غير المنتظمة).
وتحتاج أوضاع الاستحواذ القطاع الخاص علي وحدات القطاع العام الي إعادة تقييم شامل للتكلفة الاستبدالية للأصول المادية والمعنوية لمثل هذه المشروعات وهو ما يتجاوز قيمتها الدفترية الحالية مئات المرات.
البحث عن مستثمر رئيسي
بالمعايير العالمية سواء من حيث المعرفة الفنية والتكنولوجية وأيضا التواجد الملموس في الأسواق العالمية. ويفضل السماح بمشاركات محدودة بالقطاع الخاص المحلي بموافقة الشريك العالمي.
وينبغي ان تستند هذه المشاركة الي ترويج المراية التنافسية للسوق المصري سواء من حيث الموقع الجغرافي – الموارد البشرية – المواد الطبيعية – حجم السوق.
معايير اختيار الشريك العالمي
لا ينبغي ان تقتصر معايير اختيار المستثمر الرئيسي في كل وحدة علي المزادات السعرية كما حدث في وحدات القطاع العام والتي جربت من قبل وكانت نتيجتها ان جلبت تجار الأراضي الذين صارعوا الي تصفية الشركات وبيعها لاستثمارات عقارية
ويمكن الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال والتي تعتمد علي اختيار أفضل عروض تعظيم القيمة المضافة للناتج القومي للوحدات المباعة علي مدي فترة علي قدر كاف من الطول (ربع قرن مثلا) وفي حالة عدم تحقيق العروض للهدف الذي تم علي أساسه إرساء عطاء شركة يتم سحب هذه الشركة بموجب ما عرف في معالجات عالمية باسم السهم الذهبي والذي ينطوي علي مساهمة افتراضية من البائع تتيح له الغاء عملية إرساء الشركة بشكل كامل
واذا كان الانتهاء من بيع وحدات القطاع العام لشركاء عالميين مستوفيا الشروط المشار اليها بالقيم العادلة يمكن ان يحقق إيرادات تتجاوز مئات التريليونات مما يمكن الحكومة علي الأقل من سداد الدين العام الحالي بالكامل بما يؤدي الي القضاء علي المصدر الرئيسي بالضغوط التضخمية في الاقتصاد المصري والناجمة أساسا عن خدمة الدين العام من أقساط وفوائد.
وهذا يمثل الحد الأدنى من عوائد تمكين القطاع الخاص من النشاط الاقتصادي؛ اما العائد الأكبر والمتوقع من هذه العملية ويتمثل في القيمة المضافة للناتج القومي في اطار التنمية المستدامة المستهدفة لفروعها الاقتصادية / الاجتماعية / البيئية من جراء إعادة هندسة المشروعات التي يتم تمكين القطاع الخاص منها
الدكتور / محمد فخري مكي
أستاذ تكنولوجيا المعلومات
كلية التجارة جامعة الزقازيق