في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة والتحديات البيئية التي تواجه العالم، أصبحت صناعة السيارات على أعتاب تحول جذري. فبعد عقود من هيمنة السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل، تبرز اليوم تقنيات جديدة مثل السيارات الكهربائية التي تعتمد على البطاريات، ومركبات خلايا الوقود الهيدروجينية، كبدائل واعدة لمستقبل أكثر استدامة وفى هذا المقال توضيح سريع للفروق الجوهرية بينها ، فما هي الفروق بين هذه التقنيات؟ وأي منها سيسود في المستقبل؟
السيارات التقليدية (البنزين والديزل)
لطالما كانت السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري هي الخيار الأول للعديد من المستهلكين بسبب توفر البنية التحتية اللازمة للتزود بالوقود وسهولة استخدامها. ومع ذلك، فإن هذه السيارات تساهم بشكل كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتلوث البيئي. فعلى سبيل المثال، تنتج السيارة التقليدية حوالي2.31 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون لكل لتر من البنزين محترق. وعلى الرغم من التحسينات المستمرة في كفاءة محركات الاحتراق الداخلي، إلا أن مستقبلها يبدو محدودًا في ظل الاتجاه العالمي نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
السيارات الكهربائية (البطاريات)
تعتبر السيارات الكهربائية التي تعتمد على البطاريات الخيار الأكثر شيوعًا حاليًا كبديل صديق للبيئة، فهي لا تنتج أي انبعاثات ضارة أثناء التشغيل، وتعتمد على الكهرباء التي يمكن توليدها من مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح. بالإضافة إلى ذلك، تتميز هذه السيارات بكفاءة عالية تصل إلى 80-90%، مما يعني استغلالًا أفضل للطاقة مقارنة بمحركات الاحتراق الداخلي.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تواجه انتشار السيارات الكهربائية، مثل محدودية مدى السير مقارنة بالسيارات التقليدية، حيث يتراوح المدى الحالي لمعظم السيارات الكهربائية إلى 600 كيلومتر وتحتاج وقت طويل نسبيا لاعادة شحن البطاريات كما أن إنتاج البطاريات يتطلب معادن نادرة مثل الليثيوم، مما يثير مخاوف بيئية وتحديات في سلسلة التوريد.
البحث والتطوير في السيارات الكهربائية (البطاريات)
تعد السيارات الكهربائية التي تعتمد على البطاريات في طليعة هذا التحول، حيث تشهد استثمارات ضخمة في البحث والتطوير لتحسين كفاءة البطاريات وتقليل تكاليفها. فعلى سبيل المثال، انخفضت تكلفة بطاريات الليثيوم-أيون من أكثر من 1000 دولار / ك وات ساعة في عام 2010 إلى أقل من 150 دولارًا في عام 2023. ومن المتوقع أن تصل التكلفة إلى 100 دولار / ك وات ساعة بنهاية عام 2025، مما يجعل السيارات الكهربائية في متناول عدد أكبر من المستهلكين.
كما تركز الأبحاث على تطوير بطاريات ذات كثافة طاقة أعلى، مما يزيد من مدى السير ويقلل من وقت الشحن. على سبيل المثال، تعمل الشركات على تطوير بطاريات الحالة الصلبة (Solid-State Batteries)، التي تعد بوضع حد لمشكلات المدى المحدود ووقت الشحن الطويل.
سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية
تعد سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية تقنية واعدة أخرى، حيث تعتمد على تفاعل الهيدروجين مع الأكسجين لتوليد الكهرباء، مع انبعاث بخار الماء فقط. هذه السيارات تتمتع بمدى سير افضل ، حيث يمكنها السير لمسافة تصل إلى 800 كيلومتر، ويمكن إعادة تزويدها بالوقود في غضون 3-5 دقائق فقط.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه هذه التقنية هو إنتاج الهيدروجين نفسه. فحاليًا، يتم إنتاج معظم الهيدروجين من الوقود الأحفوري، مما يقلل من فوائده البيئية. ومع ذلك، فإن التوجه نحو “الهيدروجين الأخضر” المنتج باستخدام الطاقة المتجددة قد يجعل هذه السيارات خيارًا صديقًا للبيئة في المستقبل.
البحث والتطوير في سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية
على الرغم من أن سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية لا تزال في مرحلة مبكرة مقارنة بالسيارات الكهربائية، إلا أنها تشهد تقدمًا ملحوظًا في مجال البحث والتطوير. يتم حاليًا العمل على تقليل تكلفة خلايا الوقود، التي تعد المكون الأغلى في هذه السيارات. فتكلفة خلايا الوقود انخفضت من أكثر من 1000 دولار / كيلووات في عام 2006 إلى حوالي 50 دولارًا / كيلووات في عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 30 دولارًا / كيلووات بحلول عام 2030.
كما يتم تطوير تقنيات لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة المتجددة، مما يقلل من الانبعاثات الكربونية المرتبطة بإنتاج الهيدروجين. على سبيل المثال، تعمل دول مثل ألمانيا واليابان على بناء مصانع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة تنافسية.
تأثير البحث والتطوير على مستقبل السيارات
تساهم الجهود المستمرة في البحث والتطوير في تسريع تبني التقنيات الجديدة. فمع انخفاض التكاليف وتحسين الأداء، من المتوقع أن تشهد السيارات الكهربائية زيادة كبيرة في الحصة السوقية. فعلى سبيل المثال، تشير التوقعات إلى أن 60% من السيارات المباعة بحلول عام 2030 ستكون كهربائية.
أما سيارات الهيدروجين، فمن المرجح أن تجد مكانًا لها في قطاعات النقل الثقيل والشاحنات، حيث يصعب على البطاريات تلبية الاحتياجات. فبحلول عام 2030، من المتوقع أن تشكل سيارات الهيدروجين 10-15% من سوق النقل الثقيل.
مقارنة بين التقنيات
المعيار السيارات التقليدية (البنزين) السيارات الكهربائية (البطاريات) سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية
التأثير البيئي عالي (2.31 كجم CO2/لتر بنزين) منخفض (يعتمد على مصدر الكهرباء) منخفض (مع الهيدروجين الأخضر)
الكفاءة 30% 80-90% 60%
مدى السير 800 كيلومتر 300-600 كيلومتر 600-800 كيلومتر
وقت التزود بالوقود 3-5 دقائق 30-60 دقيقة (الشحن السريع) 3-5 دقائق
التكلفة الأولية منخفضة مرتفعة مرتفعة جدًا
تكلفة التشغيل مرتفعة (سعر الوقود) منخفضة (تكلفة الكهرباء) مرتفعة (سعر الهيدروجين)
ماذا عن المستقبل؟
يتجه العالم بشكل متسارع نحو تبني السيارات الكهربائية كخيار رئيسي للتنقل، وذلك بفضل التطورات التكنولوجية والدعم الحكومي. فبحلول عام 2030، من المتوقع أن تشكل السيارات الكهربائية 60% من مبيعات السيارات الجديدة في العديد من الدول. أما سيارات الهيدروجين، فمن المرجح أن تجد مكانًا لها في قطاعات النقل الثقيل والمسافات الطويلة، حيث يصعب على البطاريات تلبية الاحتياجات.
أما السيارات التقليدية، فستتراجع حصتها السوقية تدريجيًا، خاصة مع إعلان العديد من الدول عن خطط لحظر بيع سيارات البنزين والديزل بحلول عام 2035.
الخلاصة
مستقبل التنقل يتجه نحو تقنيات أنظف وأكثر استدامة. بينما تعد السيارات الكهربائية الخيار الأفضل حاليًا للمستهلكين، فإن سيارات الهيدروجين قد تلعب دورًا مهمًا في قطاعات محددة. وفي النهاية، فإن التحول نحو مستقبل أخضر يعتمد على التعاون بين الحكومات والشركات والمستهلكين لتبني هذه التقنيات وتطويرها.
د.م. محمد سليم سالمان
عضو المجلس العربى للطاقة المستدامة