مقدمة: أزمة الفقد الكهربائي وتأثيرها على الاقتصاد
تواجه مصر تحديًا كبيرًا في قطاع الكهرباء يتمثل في ارتفاع نسبة الفقد الكهربائي، حيث يبلغ نسبة متوسط الفقد حوالي 22 % من إجمالي الطاقة المنتجة، وهو ما يمثل خسائر مالية ضخمة تتجاوز ال 100 مليار جنيه سنويًا وفقًا لتعريفة الكهرباء الثابتة (214.5 جنيه/ ك وس) الحالية ويتضاعف هذا الرقم فى حال احتساب الوقود على السعر الاستيرادى للغاز.
وترجع هذه الخسائر إلى عدة عوامل، من أبرزها سرقات التيار الكهربائي، خصوصًا من قبل الفئات غير المقننة مثل الباعة الجائلين، والأكشاك، والإعلانات، وغيرهم ممن يستخدمون الكهرباء دون تعاقد قانوني.
الكتاب الدوري رقم 1 لسنة 2025: إطار قانوني لمواجهة التحديات
أصدر جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك الكتاب الدوري رقم 1 لسنة 2025، والذي يهدف إلى تنظيم توصيل الكهرباء لنقط البيع الثابتة والمتنقلة لمواجهة هذه الظاهرة، ووضع إطارًا واضحًا لتنظيم استخدام الكهرباء من قبل هذه الفئات، حيث أكد على:
1. تركيب عدادات كودية مسبقة الدفع لجميع المستخدمين غير المقننين لضبط الاستهلاك وتقليل الفقد الكهربائي.
2. تحديد مصدر التغذية الكهربائية وجهة الولاية لضمان تحميل التكلفة الفعلية على المستخدم، خاصة إذا كانت من أعمدة الإنارة العامة.
3. توحيد إجراءات التركيب والمواصفات الفنية للعدادات في جميع شركات توزيع الكهرباء.
4. متابعة استهلاك المشتركين بصفة دورية، واتخاذ الإجراءات القانونية في حالة التعدي على الشبكة الكهربائية أو الاستيلاء على التيار من خارج العداد الكودي.
رأي الكاتب : الحل أولًا.. ثم المحاسبة
سبق وان قدمنا مقالا يوضح ان تقوم شركات التوزيع بالتفرقة بين الحل والعقوبة للتغلب على نسبة الفقد فى الشبكة ويعد الكتاب الدوري خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن التنفيذ يحتاج إلى مراجعة لتفادي الأخطاء السابقة.
في الواقع العملي يكشف أن شركات التوزيع ما زالت تتعامل مع المتقدمين لتركيب العدادات الكودية بمنهجية العقوبة قبل الحل؛ حيث يُجبر المستخدم على:
1. تحرير محضر سرقة تيار قبل تركيب العداد.
2. تحمل تكلفة المقايسة ورسوم التوصيل، مما يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على المستخدم، خاصة الفئات البسيطة.
آلية التنفيذ المقترحة
1. إلغاء محضر سرقة التيار في البداية: يجب أن يكون تركيب العداد هو الحل الأول، مع متابعة استهلاك المشترك لاحقًا، وفي حالة ثبوت أي تعدٍ بعد التركيب يتم تحرير المحضر واتخاذ الإجراءات القانونية بكل حزم.
2. تبسيط الإجراءات: السماح بتركيب العداد الكودي بناءً على بطاقة الرقم القومي مع اى مستند رسمى يخص المكان المعنى دون تعقيد او تطويل بعد التسجيل على المنصة الموحدة ، مع إرجاء استيفاء باقي المستندات إلى ما بعد التركيب.
3. متابعة استهلاك المشترك بعد التركيب، وفي حال ثبوت أي استيلاء على الكهرباء من خارج العداد يتم تحرير محضر سرقة تيار وتطبيق القانون واللوائح فى هذا الشأن.
4. تحديد مصدر التغذية الكهربائية بوضوح، خاصة إذا كان التيار مأخوذًا من أعمدة الإنارة العامة التي تتبع الوحدات المحلية، حتى لا تُحمَّل فاتورة الاستهلاك على حساب المحليات.
5. اعتماد مواصفات موحدة للعدادات الكودية لضمان سهولة التركيب والتشغيل، وتوحيد الإجراءات في جميع شركات توزيع الكهرباء.
6. إصدار منشور رسمي يُعمم على جميع شركات التوزيع يوضح آلية التطبيق بوضوح، ويُلزم الشركات بالتنفيذ دون تأخير وحماية للعاملين فى شركات التوزيع من متخذى القرار حتى لا يقعوا تحت طائلة مخالفة القوانين واللوائح.
الفوائد المتوقعة
• تقليل الفقد الكهربائي وتحقيق العدالة في تحصيل قيمة الاستهلاك.
• زيادة الإيرادات السنوية لقطاع الكهرباء وخفض حجم الخسائر المالية.
• تشجيع الباعة الجائلين وأصحاب الأكشاك على تقنين أوضاعهم بدلاً من اللجوء إلى سرقة التيار.
• منع تحميل المحليات تكاليف غير مبررة نتيجة الاستهلاك غير المحسوب من أعمدة الإنارة.
• تحسين كفاءة الشبكة من خلال الحد من التوصيلات غير القانونية
خاتمة: القرار صائب.. والتنفيذ يحتاج دقة
يمثل الكتاب الدوري رقم 1 لسنة 2025 قرارًا صائبًا لمعالجة الفقد الكهربائي وسرقات التيار، ولكن نجاحه مرهون بآلية التنفيذ، حيث يجب أن يكون التركيز على حل المشكلة بتركيب العدادات الكودية فورًا دون تحميل المستخدم أعباءً مالية تعجزه عن التصحيح.
إن معالجة الفقد الكهربائي بهذه الطريقة ستؤدي إلى زيادة الإيرادات، وتخفيض الخسائر، وضمان العدالة في تحصيل قيمة الاستهلاك، وتحسين الخدمة للمشترك النهائى مما ينعكس إيجابيًا على كفاءة الشبكة الكهربائية في مصر.