الحدث: انهيار جزئي للشبكة الكهربائية الأوروبية
في ساعة مبكرة من صباح اليوم، تعرضت أجزاء واسعة من إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا لانقطاع مفاجئ في التيار الكهربائي، مما أثر على ملايين المواطنين، وعطل حركة القطارات، وأدى إلى إغلاق مؤقت لبعض المرافق الحيوية. وعلى الرغم من سرعة استعادة الخدمة في معظم المناطق، إلا أن الحادث أثار تساؤلات عميقة حول مدى متانة البنية التحتية للطاقة في أوروبا في ظل التحديات التقنية والتهديدات الأمنية الجديدة.
الرواية الرسمية: عطل تقني أم فشل نظامي؟
أصدرت شركة “ريد إليكتريكا دي إسبانيا” (REE) المشغلة للشبكة الكهربائية الإسبانية بيانًا أوليًا أشارت فيه إلى أن الانقطاع نتج عن عطل فني في أحد خطوط الجهد العالي، مما تسبب في انهيار متتالي (Cascading Failure) امتد إلى مناطق متصلة بالشبكة البرتغالية والفرنسية.
من جانبها، نفت شركة REN البرتغالية وجود أي اختراق إلكتروني، لكنها أقرت بوجود خلل في التنسيق بين أنظمة التحكم بين البلدين. أما في فرنسا، فقد اقتصر التأثير على مناطق حدودية، حيث تعتمد الشبكات الأوروبية على نظام مترابط ومتزامن.
ما زال التحقيق جاريًا:
• عادةً ما تستغرق التحقيقات الفنية في مثل هذه الحوادث الكبيرة عدة أيام لتحديد السبب الدقيق، خاصة إذا تطلب الأمر مراجعة سجلات التشغيل أو بيانات أنظمة الحماية.
• من المتوقع أن تصدر هيئات تنظيم الطاقة في الاتحاد الأوروبي مثل ENTSO-E تقريرًا أوليًا خلال الـ 48 ساعة القادمة.
الاحتمالات المطروحة: من الأخطاء البرمجية إلى الهجمات الإلكترونية
رغم تأكيد السلطات على الطبيعة “التقنية” للحادث، إلا أن هناك عدة سيناريوهات تحتاج إلى تحقيقات أعمق:
1. فشل في أنظمة الحماية الآلية
o قد يكون العطل ناتجًا عن خطأ في إعدادات أنظمة SCADA المسؤولة عن إدارة الشبكة من تغير فى الجهود او الذبذبة، مما تسبب في فصل تلقائي غير مبرر لمحطات التوليد.
2. تأثير العوامل الخارجية
o مثل موجات الحر التي تضرب جنوب أوروبا، والتي تزيد من أحمال الشبكة.
3. اختراق إلكتروني محتمل
o في ظل التصعيد الجيوسياسي العالمي، لا يمكن استبعاد أن تكون الهجمات السيبرانية قد دخلت مرحلة اختبار قدرات تعطيل البنى التحتية، كما حدث في هجوم أوكرانيا 2015.
الشبكات الذكية: حل ذو حدين
يعتمد النظام الكهربائي الأوروبي بشكل متزايد على الشبكات الذكية التي توفر كفاءة أعلى، لكنها أيضًا تزيد من نقاط الضعف:
• أي خلل برمجي أو قرصنة لأنظمة التحكم قد يتسبب في كوارث متسلسلة.
• الترابط بين الدول يعني أن العطل قد ينتشر عبر الحدود بسرعة.
وفى هذا الصدد هل حان الوقت لاعتماد حلول لا مركزية؟
يُعيد هذا الحادث الجدل حول ضرورة تطوير أنظمة طاقة موزعة لتقليل الاعتماد على الشبكات المركزية الهشة، مثل:
• شبكات “الميني جريد” المستقلة عن النظام الرئيسي.
• توسيع استخدام الطاقة الشمسية المنزلية مع بطاريات التخزين.
• تعزيز استثمارات التحديث لاستبدال البنية التحتية القديمة.
الدروس المستفادة: أوروبا أمام اختبار حقيقي
1. الحاجة إلى شفافية أكبر في التحقيقات، وإصدار تقارير مفصلة عن أسباب العطل.
2. تعزيز التعاون الأوروبي في مجال الأمن السيبراني للطاقة.
3. تسريع الانتقال إلى نموذج مرن قادر على تحمل الصدمات.
4. تحقيق العدالة الاجتماعية والاخلاقية للتغلب على سلوكيات غير محكومة.
الخلاصة: انذار مبكر لمستقبل رقمى ربما يكون هشا
انقطاع اليوم قد يكون مجرد جرس إنذار لأوروبا والعالم: في عصر يتزايد فيه اعتمادنا على الأنظمة الرقمية، لم يعد انقطاع الكهرباء مجرد عطل تقني بسبب عطل تشغيلى او نقص غاز او غير ذلك من الاسباب التقليدية، بل قد يكون سلاحًا استراتيجيًا خفيا في حروب المستقبل.
مصادر موثوقة لمتابعة التطورات:
د. محمد سليم
عضو المجلس العربى للطاقة المستدامة
القاهرة، 29/ 4/ 2025