من المعروف أن صوم شهر رمضان يعني الإمتناع عن شهوتي البطن والفرج من الفجر وحتي غروب الشمس مع النية، وكذلك الإكثار من العبادات والأعمال الصالحة كالصلاة، والصدقة، ومساعدة الآخرين وغيرها. الا ان ما سبق هو الجزء السهل من الصيام، أما الجزء الاهم هو السلوكيات المسئولة من الصائم تجاه المجتمع والبيئة ومواردها خلال شهر رمضان فهو أمر بالغ الأهمية وضروري لصحة وقبول الصيام إن شاء الله.
وفي الواقع، يوفر الشهر الكريم فرصة حقيقية لغرس التغيير الإيجابي في موقفنا تجاه الموارد الطبيعية وبخاصة موارد الطاقة. وبلا شك، إن إعتماد إسلوب حياة صديقة للبيئة بشكل عام وخاصة خلال شهر رمضان ليس مسؤولية إجتماعية فحسب، بل أيضا واجب ديني حيث أن وجود ورفاه الإنسان يعتمد على البيئة الصحية.
وبقدر حرص المسلم في شهر رمضان على الشعائر الدينية، وقيم التعاون، والتسامح والاخاء… الخ، فينبغى عليه ان يعيش خفيفياً على الارض (ان يحيا برفق) اى فكرة الزهد، ولا يكون مسرفاً ويحمى نعم الله سبحانه وتعالي اي الموارد الطبيعية. وبلغة علم البيئة: فعلى المسلم ان يعمل جاهداً على خفض الانبعاثات الكربونية فذلك يمثل فرصة ممتازة لإظهار المسؤولية تجاه المحافظة على موارد الطاقة بصفة خاصة.
ففي الإسلام، ينظر للانسان على انه الخليفة فى الارض. ومن هنا تبرز أحقية الأجيال المتعاقبة في الانتفاع بالموارد الطبيعية وضرورة أن يحفظ الجيل الحالي للأجيال التي بعده حقها في الانتفاع بما خلق الله في هذا الكون (أي فكرة العقد الضمني بين الأجيال التي قام عليها مفهوم التنمية المستدامة) وأن على الانسان أن يسلم البيئة ومواردها، على الأقل، على نفس الصورة التى تسلمها من أجداده إن لم يعمل على زيادة صلاحها ، فوظيفة الإنسان الأساسية، على الأقل، هي الابقاء على صلاح الصالح إن لم يزده صلاحاً ويعمر الأرض أو كما يقول علم البيئة الحديث: تحسين أو الإرتقاء بجودة (نوعية) الحياة.
بالطبع، كل شخص بيده السيطرة على ما يستخدمه، وما يأكله، وما يفعله، وإلي أين يذهب…الخ. كل شخص سيترك بصمة بيئية. والبصمة البيئية الخاصة بك في كلمات بسيطة تتعلق الاستهلاك الخاص وما تسببه من نفايات وانبعاثات في الحياة نتيجة استهلاك موارد الطاقة ولا سيما الوقود الأحفوري، من خلال وسائل النقل، واستخدام الكهرباء وإستهلاك المواد الغذائية، ،غيرهم. فالحد من البصمة البيئية يعني ببساطة تحسين نوعية الحياة وتحقيق التنمية المستدامة.
الصيام عن الطاقة
يعتبر شهر رمضان أكثر شهور العام التي تشهد استهلاكا مرتفعا في الطاقة الكهربائية مقارنة بباقي شهور العام على الرغم من قصر ساعات العمل الرسمية. ذلك الهدر الزائد في استهلاك الكهرباء لا يتناغم مع شهر رمضان الكريم، كقيمة إيمانية ودينية تستدعي الترشيد في كل شيء. فنجد زيادة في ساعات الإضاءة في الليل، وفي استخدام الاجهزة الكهربائية والإلكترونية المختلفة سواء في المنازل او المصانع او الاسواق.
مع ان الانسانية تعيش حالياً فى عصر أزمة طاقة. فهناك مخاوف متزايدة بشأن أمن الطاقة حيث تسعى العديد جميع البلدان لخفض غازات الاحتباس الحراري والبحث عن مصادر طاقة نظيفة. فمن المهم جدا في هذا الشهر الكريم توسيع مفهوم الصوم لتغطية استهلاك الطاقة ايضاً. فالصيام عن الطاقه مشابهة جدا للصوم عن الطعام والشراب. كل ما علي الفرد القيام به هو أن يكون أقل اعتمادا على مصادر الطاقة من الوقود الأحفوري والتحول الى مصادر الطاقة المتجددة.
فلابد من نشر ثقافة الوعي بترشيد استهلاك الطاقة، ورفع كفاءة استخدامها بين المواطنين، لما لها من أهمية كبرى في الحفاظ على موارد الطاقة في مصر وتخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة وتحقيق رؤية مصر ٢٠٣٠ فيما يخص محور الطاقة وكذلك استراتجية الطاقة فى مصر حتى 2035.
ومن ناحية أخرى هذا الترشيد سيساعد على توفير الكثير من النفقات الشخصية والمنزلية مثل فواتير الكهرباء. ويمكن للافراد والمصانع والاسواق التوفير ايضا من خلال تطبيق أنظمة وتقنيات حديثة موفرة للطاقة عن طريق توليد الطاقة الكهربائية من الخلايا الشمسية واستبدال وحدات الإضاءة الخارجية بوحدات إضاءة LED. والاستفادة من ضوء الشمس خلال النهار قدر الامكان، وتقليل الزينة الرمضانية على قدر المستطاع.
فلنغتنم هذه الفرصة التي يقدمها لنا شهر رمضان المبارك ونقدم نموذجاً للصيام عن الطاقة بتقليل وترشيد استهلاكنا منها، ودعونا نأمل ان يستمر هذا النمط المسئول على مدار العام.
رمضان كريم للجميع.
دكتور / محمد عبد الرؤوف
خبير اقتصاديات الطاقة والبيئة