صناعة البتروكيماويات تعني بمفهومها البسيط انتاج المواد الكيماوية من مصادر خام البترول او مشتقاته او من الغاز الطبيعي . وفي مصر بدأت باكورة تلك الصناعة فى مصر عام ١٩٦٦ اي منذ ٥٢عاما بأول تلك المشروعات وهو انتاج مادة الدوديسيل بنزين ( احد نوعيات المنظفات الصناعية) وذلك ضمن توسعات شركة السويس لتصنيع البترول طبقا وخطة الدولة الطموحة في ذاك الحين لبناء صروح صناعية عملاقة آنذاك والتي شهدت نهضة صناعية بترولية جبارة لم يكن لها مثيل الا فى الدول المتقدمة ،،، وشاءت الأقدار ان تدمر تلك الوحدة خلال حرب ٦٧ المشئومة الذي تعمد العدو تدمير تلك النهضة البترولية فأتي علي كل الوحدات التحويلية العملاقة ليدمرها تماماً.
جاءت البداية الثانية للصناعة البتروكيماوية في مصر بتشغيل وحدة الإلكيل بنزين مستقيم السلسلة ( اخد نوعيات المنظفات الصناعية الحديثة عديم الرغوة) بشركة العامرية لتكرير البترول بالإسكندرية عام ١٩٨٤ ليتبعها مشروع انتاج مادتي البنزول والزيلين وهما من الكيماويات العطرية . جاءت جميع مؤشرات الربحية لتلك المشروعات اقتصادية وذات ربحية عالية اذا ما قورنت بالأسعار العالمية لتلك المواد وحتي تاريخه وتلك الوحدات مازالت تعمل حتى الان باعلي كفاءة .
صناعة البلمرات بدأت فى مصر فى عهد المهندس/ احمد هلال وزير البترول وكانت باكورة البداية انشاء شركة البتروكيماويات المصرية عام ١٩٨١وكان هناك سيناريوهات عديدة وبدائل مختلفة حيث تم اختيار البدء باستيراد مادة الإيثلين ( مادة وسيطة محورية لصناعات بتروكيمائية متعددة) من الخارج عن طريق انشاء منصة بحرية خاصة علي البحر المتوسط تتصل مباشرة بخط أنابيب عبورا لشركة البتروكيماويات بأرض النهضة بالعامريه ، وشهدت تلك المنصة بعض الاعتراضات خوفأ من خطورة تداول مادة الإيثلين .
وتم تشغيل اول مشروعات صناعة البتروكيماويات بتلك الشركة المرتبطة بصناعة البلمرات عام ١٩٨٧ وتم انتاج مادة البولي فينيل كلوريد (PVC) بعد كلورة مادة الإيثلين بالكلور الناتج من وحدة الكلور والصودا الكاوية بالشركة لإنتاج مادة كلوريد الفينيل مونمر ثم مرورا بوحدة البلمرة وصولا للمنتج النهائي. الا ان هذا المشروع لم يحقق أهدافه وشهد تعثر دائم محققا خسائر سنوية كبيرة نتيجة لارتفاع ًاسعار الإيثلين العالمية وعدم توافرها بالشكل الذى يسمح بتوريدات منتظمة باسعار مناسبة .
استنتج جميع خبراء مصر اهمية انتاج مصادر تغذية مجمعات البتروكيماويات من مصادر محلية لتحقيق اقتصاديات ناجحة وكان للإنتاج الموسع لمصر من الغاز الطبيعى المدخل لتحقيق ذلك فكانت وحدة استخلاص غازي الإيثان/ بروبان التابعة لشركة جاسكو من مجمع غازات الصحراء الغربية وهو الخليط المناسب لإنتاج مادة الإيثلين بنظام التكسير البخاري.
وبدلا من إقامة مشروع وحدة التكسير البخاري لخليط الإيثان/ بروبان داخل شركة البتروكيماويات المصرية ، تم التفكير فى الاستفادة من القوانين الاستثمارية المصرية الجديدة فبدلا من التوسع داخل الشركات القطاع العام بقوانينها المتشددة خصوصا عند جذب شركاء لضخ استثمارات خارجية فكانت شركة سيدي كرير للبتروكيماويات ( سيدبك ) التى تأسست عام ١٩٩٧ لتستقطع جزء من أراضى شركة البتروكيماويات لإقامة وحدة التكسير البخاري لإنتاج غاز الايثيلين لتغطي احتياجات شركة البتروكيماويات المصرية لإنتاج مادة ال(PVC) والباقى وهو الأكبر كمية يوجه لإنتاج مادة البولي ايثيلين علي اعلي التقنيات الحديثة وتلك المادة ذات الاستخدامات عديدة ومختلفة . وكان النجاح الباهر والمستمر حتي تاريخه.
أنشئت الشركة القابضة للبتروكيماويات عام ٢٠٠٢ لإدارة وتطوير قطاع البتروكيماويات بمصر ،، قامت الشركة بعد الاستعانة ببيت خبرة أجنبي من الإعلان عن الخطة الرئيسية (MASTER PLAN ) للصناعة البتروكيماوية القومية بإقرار ١٤ مجمع صناعي بتروكيمائي يتضمن ٢٤ مشروع عبارة عن ٥٠ وحدة تصنيعية ، وقامت عدة مشروعات منها الشرقيون للبتروكيماويات ببورسعيد وايميثانكس لانتاج الميثانول بدمياط والبولي استر بالعامريه والبولي استيرين بالدخيلة بالإسكندرية غير محققة أهداف الخطة للوصول لتكامل صناعة بتروكيميائية رائدة بمنطقة الشرق الاوسط ومنافسة لكبري الشركات العالمية ،،الا ان تلك الخطة واجهت مصاعب عديدة اهمها التمويل وتدبير مصادر التغذية محليا.
كان لخطة البحث والاستكشاف التي تبناها المهندس شريف اسماعيل والمهندس طارق الملا وما تبعها من اكتشافات غازية ضخمة مع تنمية اعمال الحقول المكتشفة والتي توقفت نتيجة احداث يناير ٢٠١١ ،،والوصول الي مرحلة الاكتفاء الذاتي في القريب العاجل وتحول مصر لمركز إقليمي لتداول الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط الأثر الكبيروالمصداقية الحقيقية من ارض الواقع لدي كبار المستثمرين للمضي في المساهمة في انشاء صناعات بتروكيماوية متكاملة علي اساس توافر دائم ومتعدد المصادر للغاز الطبيعي وما يتطلبه ذلك من استثمارات ضخمة تعود بالفائدة علي الدولة من رسوم جمركية وضرائب دخلية وتشغيل عمالة مباشرة وغير مباشرة .
بدأت باكورة تلك الصحوة مع افتتاح وحدتي الامونيا / يوريا بشركة موبكو بتشغيل كامل وبدء تشغيل مجمع انتاج الإيثلين بشركة ايثيدكو بالعامريه بحضور الرئيس السيسي علاوة علي توسعات شركة سيدبك لانتاج البولي بروبلين وايثيدكو لانتاج البولي بيوتادين من مصادر جانبية من انتاج الشركتين،، علاوة علي انشاء شركة السويس لمشتقات الميثانول لانتاج مادة اليوريا فورمالدهيد ما يتبعها من انتاج مادة MDF بديل الأرضيات الخشبية ،،،كما تم توقيع عقود انشاء اكبر مجمع للبتروكيماويات بالعين السخنة مؤخرا باستثمارات ١٠،٥ مليار دولار مموله من الخارج لانتاج البولي ايثلين والبولي بروبلين والبولي بيوتادين مع شركة كربون القابضة ،،
هناك مشروعان عملاقين جاري الدراسات الخاصة بهما وهما بالتكامل بين تكرير الزيت الخام البترولي وإنتاج البتروكيماويات وياتي المشروع الاول بالعين السخنة بالاستفادة من فائض المازوت بمعامل السويس بتكلفة مبدئية ٤ مليار دولار وتقوم شركة تويوتا تسوتشو اليابانية بدراسات الجدوي والآخر بمنطقة العلمين بالقرب من خطوط الزيت الخام بتكلفة استثمارية مبدئية تصل الي ٧ مليار دولار بغرض تصدير منتجاته للخارج.
وفي النهاية ها هي العجلة تدور بلا توقف في صالح تنمية حقيقية مبنية علي أسس متينة واقعية وليعي الشعب انواكتشاف حقل غاز او بترول يعني مشروعات وتنمية واقتصاد ينهض ورجال مصريون شرفاء يبذلون الجهد والعرق في سبيل رفعة هذا البلد .