لا أعلم لماذا قررت أن أكتب فى هذا الملف شديد الحساسية و لا أعلم ايضا لماذا قررت أن أكتب فى هذا الوقت بالتحديد. ربما مادفعنى للكتابة هى تصريحات السيد رئيس وزراء أثيوبيا عن بعض مشاكل فنيـــــة قد تعترض استكمال سد النهضة وبغض النظر أذا ماكان ماصرح به السيد رئيس الوزراء ألاثيوبى حقيقى أو مجرد مناورات فنية وسياسية لتحقيق أهداف غير واضحة أو كسب وقت أو خلافة ألا أن هذا النوع من التصريحات أدار أمام عينى شريط ذكريات ملحمة مصر الخالدة لبناء السد العالى. كيف أستطاعت القيادة السياسية أنذاك وقبل أكثر من نصف قرن من الزمان أن تجعل بناء هذا السد ليس فقط حلم هذا الشعب العظيم ولكن أمل كل الحالمين بالسيطرة على مقدراتهم. كيف نجحت مصر فى تحويل بناء السد الى معركة كل الدول النامية فى القارة وفى كل أرجاء المعمورة. كيف ربط الزعيم جمال عبد الناصر بين رفض البنك الدولى أعطاء قرض لمصر لبناء هذا السد العظيم و قرار تأميم قناة السويس فألهب حماس القاصى والدانى. كيف أنشد العندليب ألاسمر حكاية شعب لتظل عنوان للكرامة الوطنية. ليس هذا فقط ولكنى أستعرضت ايضا كيف تسبب هذا السد العظيم فى التنمية البشرية لكوادر حقيقية و رائعة كانت فيما بعد النواة الصلبة التى أسست كل قطاعات الكهرباء والمياه فى مصر. أما الشريط ألاخر الذى أدارته هذه التصريحات أمام عينى هو شريط المعركة التى تخوضها مصر حاليا من أجل الحفاظ على مقدرات مصر وهى بكل تأكيد معركة لاتقل ضراوة عن ملحمة أكتوبر الخالدة. كيف تدير القيادة السياسية الحالية هذه المعركة فى صمت وبدون أي ضوضاء. كيف تتحمل دون أنين أو ضجر النقد اليومى من جهات لا تملك من أمر نفسها شيئ. جهات وأشخاص على اقل تقدير لاتدرك كيف تدار ألامور عندما تتعلق بألامن القومى للدول. جهات قد يكون منها الجاهل أو ألاحمق أو العدو ولكنهم جميعا يلعبون دورا سلبيا ليس تجاه النظام أو القيادة السياسية وأنما تجاه الدولة. أما على الطرف ألاخر جال بخاطرى كيف بدأت أثيوبيا أنشاء هذا السد وماصاحبة من شكوك عميقة عن أهداف ألانشاء. ثم ايضا التخبط الفنى الذى صاحب ألانشاء من سعة تخزينية 20 مليار متر مكعب الى سعة تخزينية 74 مليار متر مكعب فى لحظات. ثم بعض التصريحات عن بيع المياه لدول المصب. أستعرضت كيف أقدمت أثيوبيا آبان ثورة 25 يناير فى أضعف لحظات مصر المحروسة على أنشاء هذا السد. وعودة الى تصريحات السيد رئيس وزراء أثيوبيا المبهمة وبغض النظر عنها فأننى على مدار هذه السنوات الماضية لم تنتابنى لحظة شك واحدة أن مصر ستنجح فى أدارة هذا الملف. ليس فقط لآن مصر هى هبة النيل ولكننى على ثقة أن مصر بها جهات ترعى هذا الملف وتدرسه من كل جوانبة. تعمل فى هدوء وصمت ولكنها لن تفرط يوما فى حقوق مصر المائية أو أي حقوق أخرى. أما مصر فدائما عندما تتعلق ألامور بأمنها القومى تكون مصر كما عرفناها.
كاتب المقال خبير الطاقة الدكتور/ ياســــــــر جلال الرئيس المؤسس لقسم الهندسة الكهربية – كلية الهندسة الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا