ما هو الحل الأفضل لمصر؟
اعترض أحد الزملاء المحترمين على مقالي بعنوان “التهافت على الذهب … وقطع الكهرباء” بقوله أن استخدام الخلايا الضوئية أفضل بدليل انتشار استخدامها في الدول المتقدمة صناعيا.
فوجدت ضرورة توضيح بعض الأمور التي لم تتألق للآن (وأهمها في الفقرتين الأخيرتين)، حتي بعد أزمة انقطاع الكهرباء لمدد مختلفة كل يوم …
الزميل العزيز،
لقد فهمت أنك تقصدني برسالتك وأنها تعليق على ما ،كتبته أنا بعنوان “التهافت علي الذهب … وقطع الكهرباء”
كل ما كتبته حضرتك صحيح مع اعتراضي على الجملة الأخيرة للأسباب التالية:
• خميسة لا تتعارض مع استخدام أي من الطاقات المتجددة بل بالعكس تمهد الطريق لاستعمالها الآمن دون أن يتسبب استعمالها في زيادة الحمل على الشبكة كما هو الحال الآن في ألمانيا
• خميسة – بفضل التخزين المزدوج – تضمن إنتاج الكهرباء بنفس مقدار الطلب عليها في لحظتها فلا يحدث (وهذا يحدث في أيامنا هذه في ألمانيا) أن تبيع ألمانيا الكهرباء الزائدة عن حاجتها إلى جيرانها بثمن *”سلبي”*، أي ألمانيا تعطي من يرغب في شراء الكهرباء من بورصة “ليبزيج” Leipzig مالا لكي يأخذ كهربائها الزائدة عن حاجتها. (أعرف أن هذا صعب التصديق ولكنه الحقيقة الآن ومتوقع أن تزيد مع تزايد ربط الخلايا الضوئية وطواحين الرياح بالشبكة)
• كل دولة، بل كل منطقة، لها ظروفها الجوية الخاصة بها. وكما رأينا في السنتين الماضيتين، فقد تختلف الظروف التي تعوّد سكان هذه المناطق عليها مثل الأمطار التي تتحول إلى سيول أو الثلوج الكثيفة التي تمنع وصول التموين إلى الأماكن المعزولة؛ لذلك يجب مراعاة أن تصل الكهرباء في مثل هذه الظروف الاستثنائية دون زيادة التكلفة حتي لا يعاني السكان من انقطاع الكهرباء لعدة أيام، كما حدث في أماكن متفرقة من العالم. لذلك يجب الحذر عند أخذ إجراءات ناجحة في مكان وتطبيقها في مكان آخر.
• خميسة تراعي هذه الرؤية، ولذلك اختارت تقنية تركيز الاشعاع الشمسي CSP في مصر كأساس لنشر الطاقات المتجددة لأن هذه التقنية هي الأفضل لظروف مصر الجغرافية والجوية حيث أن معظم أراضيها تتواجد بين خطي عرض 20 و 30 وفوق ذلك هواءها شبه خال من حبيبات الرمل العالقة مما يسمح بالتقاط كل الطاقة التي تأتي مع شعاع الشمس – وهي الحرارة بمقدار الثلثين تقريبا والضوء بمقدار الثلث تقريبا – ثم التخزين الحراري للطاقة الكلية لاستعمالها حسب الطلب.
• خميسة تراعي أن وادي النيل الذي ينبض بالنشاط الإنساني تحُفّه من الجانبين صحراء مترامية الأطراف تسمح بإنشاء محطات الكهرباء بالعدد الكافي لتلبية زيادة الطلب عليها؛ وذلك في أماكن غير مأهولة وغير مستعملة ومع ذلك فهي قريبة من أماكن السكن والعمل، فلا تعارض مع الزراعات أو غيرها … لذلك تحوز القبول المجتمعي
• خميسة تراعي الاقتصاد في استعمال الماء بقدر الإمكان لأن تبريدها هوائي فلا تحتاج إلا أقل القليل لشرب العاملين وتنظيف المرايا. فضلا عن ذلك تصميمها يسمح باستعمال فائضها الحراري في تحلية ماء البحر دون إنقاص ناتجها الكهربائي.
• أما موضوع “الجزر الكهربائية” الذي تفضلت بتعليقك عليه، فإن خميسة تحقق التقنيتين: كل جزيرة متصلة بالشبكة الرئيسية ولكن لو لزمت الضرورة يمكن فصل الشبكة الخمسية “الجزيرة” عن الشبكة الرئيسية فلا تتأثر بالعطل (أذا حدث) في الشبكة الرئيسية. ومثل هذا موجود في أوروبا حيث شبكة غرب أوروبا منفصلة عن شبكات شرق أوروبا مع إمكانية تبادل الكهرباء بينهما. والذي أقصده نظام أقل تكلفة عن المستعمل في أوروبا.
• خميسة مخطط مرن ينمو مع زيادة الطلب على الكهرباء والماء والأخير لا يمكن تخليقه من الإشعاع الشمسي ولكن يمكن فصل الأملاح الذائبة في ماء البحر ليكون ماء عذبا مصدره من شواطئنا وليس من خارج حدودنا وذلك باستعمال الفائض من الحرارة الشمسية التي تراعي الحفاظ على الثروة السمكية وحمايتها من الكيماويات التي تستعملها بعض التقنيات الأخرى.
زميلي العزيز، اسمح لي بتوجيه توصية لك، وهي أن تطلع على كتاب الأهرام “آفاق مستقبل الطاقة في مصر” الفصل الثامن ستجد فيه تفصيلات كثيرة وإذا أردت الاطلاع على الأخطاء التخطيطية التي ارتكبتها الحكومات الألمانية المتتالية وهي التي كانت محل انتقاد هيئة الرقابة الحكومية الألمانية بوصف سياسة تأمين الطاقة بأنها *”بدون تخطيط”* فعليك بالاطلاع على مقالاتي الثلاثة في الصفحة الأخيرة من مجلة “كهرباء عربية” أعداد 149 – 150 – 151
زميلي العزيز، بهذا السرد لا أحاول التهرب من حساب تكلفة إنتاج وحدة الكهرباء، بل التمهيد لمعرفة أبعاد التحديات التي تواجهنا جميعا؛ لأن الحرمان من الكهرباء مثل التجويع والتعطيش في حصار المدن في العصور الوسطى لإجبار المحصورين على الاستسلام وهذا هو ما نتعرض له حاليا. فإن لم نجد الحل المناسب لكسر الحصار سنجد أنفسنا نخرج من مأزق لندخل في آخر. أعرف مدى إغراء السعر المتدني ولكن تعليمنا الهندسي يؤهلنا لنظرة فاحصة ترى ما وراء السعر المنخفض والانبهار ببعض المزايا المعروضة عندما نكتشف أن الهدف منها هو ربطنا بالاستيراد المستمر لنكون مُطوّعين لإرادة المُورّد.
زميلي العزيز، عندما يبدأ تنفيذ مخطط خميسة سنحتاج مهندسين ذوي علم ونظرة مستقبلية لا تكتفي بما فعله الآخرون بل تعمل على تطوير الصالح وترك الطالح بالنظر من زاوية مصلحة الشعب المصري، باختصار مهندسين ملهمين مثلك يتمتعون بحماس الشباب مُطعما بخبرة العلماء، فدعنا نكون على اتصال مستمر.
هانئ محمود النقراشي