لا شك أن التهديدات المحيطة بمصر فى الوقت الراهن هى ألاخطر على أقل تقدير خلال القرن المنصرم من الزمان ولاشك أيضا أن الخطة الموضوعة للعصف بالدولة المصرية أو على أقل تقدير أبطاء وتيرة النمو بها هى ألاكثر شراسة و أصرار خلال هذة الحقبة أيضا. أما ألاشد خطورة هو أستخدام أعداء مصر لبعض المنتمين للدولة المصرية لتدمير الدولة فى وقائع ربما لم يشهدها التاريخ المصرى بهذا الوضوح بل بهذة الفجاجة من قبل. ولعل ماوصل اليه الموقف فى ملف سد النهضة هو أكبر وأوضح مثال على هذة المخاطر. وبنظرة فاحصة نجد أن هذا المشهد يموج فيه ثلاثة أطراف أساسيين. أما الطرف ألاول فهو الجانب ألاثيوبى و الذى صورت له خيالاته و حساباته المأمولة أن ألامور قد دانت له وأنه يستطيع أن يحول سد فنى الى أداة سياسية للتحكم فى الدولة المصرية و هو يحاول الدمج بين المراوغة و التقدم و كسب الوقت فى مناورات شديدة السذاجة. و لعل ألاخطر فى الموقف ألاثيوبى هو محاولته الحثيثة التغلب على موقفه الداخلى الهش بالمزايدة على مشروع سد النهضة ليصور للشعب ألاثيوبى وللشعوب ألافريقية الكادحة أن مصر هى حائط الصد أمام أحلام البسطاء فى هذة القارة… يحاول أن يصور للعالم أن مصر هى السبب الرئيسى التى تعوق تحقيق هذة الشعوب الطيبة لأحلام الرخاء وألازدهار ليضع مصر أمام الشعوب ألافريقية ويجهض أي أجراءات مصرية فى هذا الصدد .
و على الضفة ألاخرى يأتى الطرف الثانى و الذى أتحدت فيه للمرة ألاولى كل القوى المضادة لتشمل ألاعداء و الحاقدين على مصر التاريخ والحضارة و الحالمين بالرقص على أشلاء وجثث الشعب المصرى العظيم بألاضافة الى الراغبين فى أيقاف أو أبطاء عجلة التنميـــــــــــــــة فى مصر المحروسة مع الذين لهم فيها مآرب أخرى. والخطير أن رأس الحربة لمحور الشر هو مجموعة من المصريين على أختلاف أنتمائتهم قرروا أن يتخذوا كل السبل لتدمير الدولة أو على ألاقل حمل المعاول للهدامين. فقد تحولوا بكل تأكيد من أعداء النظام الى أعداء الدولة فهم ينفذون مخطط الهدم بمنتهى الدقة بدءا من تجاهل بل تسفيه جميع ألانجازات الى فتح ألآثير ليلا و نهارا للعمل على بث روح اليأس وألاحباط فى نفوس المصريين الى نشر كل الشائعات وخلطها بقليل من الحقائق لتشوية الدولة والنظام على حد سواء مرورا بتقديم كامل الدعم لكل أجهزة المخابرات المعادية حتى تحولوا ليس فقط الى نذير شؤم بل الى عدو حقيقى للدولة و ليس النظام.
أما الطرف الثالث و ألاهم فهو مصر التى تقف بين هذة ألاطراف بشموخها التاريخى فهى ترى رأى العين محاولة تغيير موازين القوى فى أفريقيا بمنتهى الثبات و الثقة. و الحقيقة أن أى مفكر منصف يرى ماتفعله مصر يدرك تماما أن هذة الدولة ستظل دائما ورغم كيد ألاعداء هبة النيل . فمصر تقدم للعلم دروس فى الصبر ألاستراتيجى. ولعل أهم محاور هذا الصبر يتمثل فى توزيع المهام على القائمين على هذا الملف بمنتهى الدقة و ألانضباط. فكل فريق له دور شديد الوضوح و محدادت و خطوط قول وعمل لا لبس فيها. فالفريق الفنى المفاوض هو معنى فقط بالشئون الفنيه و محدادته الجلية هو التعامل مع هذا الخطر من الناحية الفنية فقط ليس أكثر. و على الصعيد ألاخر تعمل الدولة المصرية بقطاعاتها الفنية بمنتهى الجدية فى دحض مزاعم الجهات ألاخرى من أن مصر تسرف فى ألاستخدام العادل لمياه النيل فهى تستثمر مليارات الجنيهات فى تغيير و تطوير أنظمة الرى و منع الزراعات المهدرة للمياه و تحلية مياه البحر و أنشاء محطات الصرف و أعادة أستخدام المياه. و حسنا فعلت الدولة المصرية العظيمة فطالما أستخدمت أثيوبيا هذة الورقة للهجوم على المفاوض المصرى على كل المنابر الدولية. أما على الصعيد ألاعلامى فالشكر كل الشكر للدولة و للاعلام على حد سواء فالبرغم من كل ألاستفززات التى يمارسها أعداء الدولة و الجانب ألاثيوبى فأن ألاعلام المصرى شديد ألانضباط و يتعامل بمحاذير واضحة وصبر أستراتيجى و حكمة بليغة. و فى القلب من مصر تقف أجهزة الدولة القادرة ومن المؤكد أنها تعمل ليلا و نهارا فهى بكل تأكيد تملك القدرة والرؤية وهى تعمل و تعلم أين و متى تقع الخطوط الحمراء وأين و متى يجب التلويح وأين و متى يتوقف الكلام وأين و متى يجب التدخل.
وبغض النظر عن أي شئ فأننى و على الرغم من هذا المشهد الملتبس و الخطير لا تنتابنى لحظة شك واحدة أن مصر ستنجح فى أدارة هذا الملف ليس فقط لآن مصر هى هبة النيل فألاهم أننى على يقين بأن هذة ألارض ستظل شامخة حتى تقوم الساعة وسنظل ندخل مصر “أن شاء الله أمنيين”.
كاتب المقال
خبير الطاقةالدكتور/ ياســــــــر جلال
الرئيس المؤسس لقسم الهندسة الكهربية – كلية الهندسة
ألاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا